الرابطة العالمية للشرفاء الأدارسة

جديد المقالات
جديد الصور




جديد الصور

المتواجدون الآن


تغذيات RSS

مولاي ادريس الثاني
06-19-1434 04:39




مولاى ادريس الثاني

و هنا تبدو مهارة راشد الذي كان المدبر الحقيقي لهذه الدولة و محور العمل فيها ، و من حسن حظ راشد ان ادريس لما توفي ترك احدى جواريه ، و تسمى كنزة حاملا ، فاتفق راشد مع رؤساء القبائل على ان ينتظروا حتى تلد كنزة فاذا و لدت غلاما كان اميرهم ، و تسير القصة فيتبين ان المولود و لد ، فسموه ادريس على اسم ابيه وبايعوه وهو بعد في المهد ، و لاشك ان الدين فعلوا دلك كانوا شيوخ القبائل ، وكان عزيزا عليهم ان يضيع السلطان الذي وصلوا اليه باسم امير من امراء البيت النبوي ، ولهدا انتظروا حتى بلغ الغلام 10 سنوات فبايعوه مرة اخرى سنة 186/802 ،واهتم راشد بتربيته و تكوينه و اعداده للامارة .

ثم مات راشد عقب ذلك ، فقيل ان ابراهيم بن الاغلب تحيل في سمه ، و هكذا بقي الغلام ادريس دون راع معين ، فقام بهذه المهمة شيخ من شيوخ البربر يسمى ابو خالد بن يزيد بن العباس العبدي ، فجدد البيعة لادريس الثاني سنة 187 /803 ، واستمر ولاء القبائل له ، وفي سنة 192/807 - 808 وكانت سن ادريس 17 سنة يختفي ابو خالد من الميدان بتهمة التواطؤ مع ابراهيم بن الاغلب . المهم لدينا ان ادريس بن ادريس بن عبد الله بن الحسن او ادريس الثاني بدا يحكم مستقلا بنفسه ابتداء من سنة 192/807 وكانت سنه 17 سنة ، و لكنه كان لا يزال في حاجة الى تاييد اوربة و شيخها ابي ليلى اسحاق بن عبد الحميد .

عقب ذلك مباشرة نجد كثيرين من مهاجرة العرب يفدون على ادريس من القيروان خاصة و يدخلون في خدمته ، و يتجه نظره الى الخروج من وليلي ، ربما لانه كان يريد التحلل من سلطان قبائل اوربة و غمارة ، ونلاحظ ان اسحق بن عبد الحميد شيخ اوربة يقتل قبل خروج ادريس من وليلي و اختطاطه مدينة فلس بقليل ،ومن الواضح ان مقتله جاء بعد ان تكاثر العرب حول ادريس و اتخاذه منهم اعوانا وبطانة ، و الغالب ان مقتل هذا الرجل جعل ادريس ورجاله يفكرون في الخروج من وليلي واتخاذ عاصمة جديدة للدولة الناشئة .

وجعل ادريس يبحث عن موضع لهذه القاعدة فدله الناس على واد يصلح لمدينة بين جبلين يسمى وادي فاس ، فانشا فيه مدينة صغيرة سميت عدوة القرويين ، ثم وفد جماعة من مهاجرة قرطبة وانشاوا قرية مجاورة لعدوة القرويين عرفت اسم عدوة الاندلسيين ، ومن هاتين العدوتين تكونت مدينة فاس ، وابتنى ادريس لنفسه دارا في عدوة القرويين و شرع في انشاء جامع فاس ، وانتقل الى فاس و اصبحت عاصمة دولة الادارسة من سنة 196/811-812 ، ودخلت دولة الادريسة في الدور الحاسم من تاريخها ، وتعرف فاس هذه بقسميها او بعدوتيها باسم فاس البالي ، أي فاس القديمة .

وابتداء من 197/812-813 بدا ادريس سلسلة حملات ثبتت سلطان الدولة من تلمسان الى ساحل المحيط الاطلسي ، ونشط لحرب الخوارج في جبال الاطلس ، ودارت حرب طويلة بينه وبين البرغواطيين ، وفي هذا الدور من تاريخ الادارسة حمل العبء رجال قبيلتي اوربة و غمارة بشكل خاص كما حملت كتامة عبء الدولة الفاطمية في اول نشاتها.

وقد ازدهرت فاس بعدوتيها ايام ادريس الثاني ، وبلغت على المدى القصير مبلغ العواصم الاسلامية الكبرى ، وقد اعانها على ذلك موقعها في سهل اسياس ، حيث الارض فسيحة منبسطة بين جبلين ذوى سفوح متدرجة الارتفاع تسلقتها البيوت ، وكان الموقع غنيا بالمياه التي تخرج في هدوء من عيون كثيرة في السهل وعلى سفوح الجبال ، وهذه العيون تمد نهر فاس الذي تقع المدينة على ضفته بالمياه ، ونهر فاس هذا هو احد روافد نهر سبو ، وهو يجري في منطقة كانت منطقة غابات و اشجار كثيرة .

وعندما ثبتت اقدام ادريس الثاني في فاس بدا بتعريب دولته ، فالى جانب من اعانه في تسيير امورها من البربر المستعربة اقبلت الى فاس جماعات كثيرة من عرب افريقية و الاندلس ، و تجمعت فيها جاليات من القيسية و الازد ومدلج و يحصب بلغ مجموعها خمسمائة اهل بيت ، واتخذ ادريس لنفسه وزيرا من الازد يسمى عمير بن مصعب الملجوم فاحسن القيام بالامر واستكثر من العرب في الادارة ووظائف الدولة ، واختار للقضاء فقيها من القيسيين يسمى عامر بن محمد لبن سعيد وعهد في كتابته الى ابن الحسن بن عبد الله بن مالك الخزرجي ، وشيئا فشيئا اخدت الدولة طابعا عربيا ، بل ان رجال الدولة من البيوت البربرية اجتهدوا في الظهور بمظهر العروبة الكاملة ، وتوافد الاندلسيون على فاس فزادت بهم عمرانا و اخدت هذا الطابع الجميل الذي يميز مدن المغرب و الاندلس من صفوف البيوت المطلية بالجص الابيض الناصع المسقوف بالقرميد الاحمر او الاخضر .

ولم يتم هذا العمل دون جهد شاق ، فقد كان ادريس الثاني رجلا نشيطا ذكيا شديد الاخلاص للاسلام واهله ، وقد انفق اكبر جانب من جهده في محاربة البرغواطيين واخراجهم من السهول ومطاردتهم الى الجبال العالية ، وكان الناس يؤيدونه في كل اعماله تلك ، لان البرغواطيين ومن انضم اليهم كانوا لا يكفون عن اذى الزراع و اهل المدن وفرض المغارم عليهم ، وقد تمكن ادريس الثاني بنشاطه المتصل من اخراج مدن المغرب الشمالي من سلطان اولئك البرغواطيين ،فاستخلص من سلطانهم طنجة وسبتة و اصيلا و العرائش و كل ريف تامسنا ، ثم تصدى لهم في سفوح جبال الريف ، فامن الناس في السهول و البوادي ، واخذت جذور الحضارة العربية تضرب في عمق التربة المغربية الكريمة ، وحرص ادريس على ان ياخد طابع المجاهد في سبيل الدين ، فعظم مقامه في اعينهم ، واجتهد كذلك في الا يدخل في مشاكل مع جيرانه الشماليين و هم الامويون الاندلسيون ، واحترز كذلك من الاغالبة و سائر رجال بني العباس دون ان يلجا الى أي عمل من اعمال العداء .

لهذا نجد ابواب دولته – التي امتدت من تلمسان الى ساحل المحيط و من طنجة و سبتة الى اقليم السوس – تتفتح للمهاجرين و التجار و طلاب العلم و الفقهاء و الشيوخ و الشعراء من الشرق و الغرب ، ومن سوء الحظ ان هذا الشاب كان قصير العمر ، شانه في ذلك ابيه فقد تولى سنة 177 / 793 وبعد ان حكم ستا و ثلاثين سنة هجرية ، توفي في ربيع الاول سنة 213 / مايو 828 عن ثلاث و خمسين سنة هجرية و هي سن صغيرة ، بعد ان ثبت دعائم الدولة بعد حروب طويلة ومؤامرات خطيرة من جانب خصومه من بني الاغلب خاصة ، ولو امتد به العمر لكان للدولة الادريسية شان غير هذا الشان

المصدر : د.حسين مؤنس / تاريخ المغرب و حضارته / المجلد الأول

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 2566



خدمات المحتوى
  • مواقع النشر :
  • أضف محتوى في Digg
  • أضف محتوى في del.icio.us
  • أضف محتوى في StumbleUpon
  • أضف محتوى في Google


د.حسين مؤنس
تقييم
1.55/10 (18 صوت)


Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.